دفناها ثم عدنا بعد أسبوع لندفن ما تبقى منها”.. القصة الكاملة لمأساة سلمى نبيل في بورسعيد

في مدينة بورسعيد … وقعت حادثة إنسانية مؤلمة هزّت مشاعر كل من سمع بها، حين خرجت فتاة في عمر الزهور تدعى سلمى نبيل من منزلها متوجهة إلى المستشفى لإجراء جراحة بسيطة لاستئصال الطحال، لكنها لم تعد. لم يكن في الحسبان أن الرحلة العلاجية التي ظنّتها الأسرة قصيرة وسهلة ستنتهي بمأساة ستخلّد في ذاكرة المدينة، وستثير موجة من التساؤلات والجدل حول الإهمال الطبي، والمسؤولية، والكرامة الإنسانية التي تراجعت أمام ما وُصف باللامبالاة. بدأت القصة حين اشتكت سلمى نبيل من آلام حادة في البطن إثر إصابة، فتوجهت إلى المستشفى، وهناك قرر الأطباء أنها بحاجة إلى استئصال الطحال. أبلغوا الأسرة بأن الحالة مستقرة وأن العملية ستكون بسيطة ولن تستغرق وقتًا طويلاً، بل طمأنوهم بأنها ستخرج في اليوم نفسه أو الذي يليه. كلمات الأطباء بعثت الطمأنينة في نفوس ذويها، لكن هذه الطمأنينة سرعان ما تبددت حين دخلت سلمى غرفة العمليات ولم تخرج منها إلا جثة هامدة، ومعها بدأت المأساة.تقول عائلتها إنهم لم يتلقوا أي إشعار بوجود مضاعفات أثناء الجراحة، ولم يُخبرهم أحد عن سبب الوفاة الحقيقي، فقط تم تسليمهم جثمانها في اليوم ذاته بعد إصدار شهادة وفاة، ودون تقرير طبي دقيق أو شرح لما حدث داخل غرفة العمليات. لم تسأل الأسرة كثيرًا في البداية، إذ كانوا مشغولين بترتيبات الدفن والحزن العميق الذي اجتاحهم، ودُفنت سلمى بالفعل، بينما ظلّت الأسئلة عالقة. لم تنتهِ القصة عند هذا الحد، بل فجّر الأطباء مفاجأة مدوية بعد سبعة أيام من دفن الجثمان، حين أُبلغت الأسرة بوجود “الطحال” في ثلاجة المستشفى، وأنه لم يُسلم إليهم أو يُدفن مع جسد الفتاة. كان وقع هذا الخبر على الأسرة كالصاعقة، إذ كيف يُترك عضو من جسد ابنتهم دون علمهم؟ ولماذا لم يُسلم لهم مع الجثمان؟ ومن المسؤول عن هذا الخطأ الفادح؟ وهل ما زال هناك شيء لم يُكشف بعد؟ظلت الأسرة في صدمة، لا تصدق ما يُقال، حتى تسلمت رسميًا من مشرحة مستشفى الزهور عضو “الطحال” بعد استخراج تصريح دفن منفصل، ما يؤكد صحة الرواية، ويكشف عن خطأ إداري وطبي جسيم. وقد اضطرت الأسرة لتنظيم جنازة جديدة بعد أسبوع من تشييع جثمان ابنتهم، لدفن ما تبقى منها، وهو مشهد مؤلم لم يمر مرور الكرام. يقول والد سلمى في تصريحات صحفية إنه لم يتلقَ أي تفسير مقنع من المستشفى عن أسباب الاحتفاظ بالطحال، ولماذا لم يُسلم مع الجثمان. وأضاف: “كأنهم فصلوا جزءًا من جسد بنتي ونسوه، سبعة أيام كاملة والطحال في الثلاجة، بنتي ماتت ودفناها مكسورين، وبعد أسبوع رجعنا نفس المقابر ندفن الطحال، ده مش بس إهمال، دي جريمة ضد الإنسانية”وبعد انتشار القصة على مواقع التواصل الاجتماعي، أطلقت الأسرة حملة بعنوان “حق سلمى لازم يرجع”، طالبوا فيها بفتح تحقيق رسمي عاجل، ومحاسبة المتسببين في الإهمال، وضمان عدم تكرار هذه المأساة مع أي شخص آخر. سرعان ما تحولت القصة إلى قضية رأي عام، وأصبحت حديث وسائل الإعلام، خاصة مع تزايد التفاعل الشعبي، إذ عبّر الآلاف عن تعاطفهم مع الأسرة وغضبهم من الحادثة، ورأوا فيها نموذجًا صارخًا لواقع مرير يعيشه بعض المرضى في المستشفيات الحكومية.من جانبها، أصدرت وزارة الصحة بيانًا مقتضبًا أكدت فيه تشكيل لجنة تحقيق عاجلة للوقوف على تفاصيل الواقعة، كما طلبت من مديرية الصحة في بورسعيد إرسال تقرير شامل عن الجراحة التي خضعت لها سلمى، وكافة المستندات ذات الصلة. وأوضحت الوزارة أنها لن تتهاون في حال ثبت وجود تقصير أو إهمال طبي. في المقابل، نفت إدارة مستشفى الزهور وجود نية للإخفاء أو التلاعب، وقالت في بيان داخلي إن الطحال تم الاحتفاظ به كإجراء احترازي لحين استكمال الإجراءات القانونية، خاصة أن الوفاة حدثت بعد الجراحة بوقت قصير. لكن الأسرة ردت بأن هذا الادعاء غير منطقي، لأنه لم يتم إبلاغهم بأي إجراءات قانونية تستوجب فصل الطحال أو تأجيل دفنه، كما لم يصدر قرار من النيابة العامة بذلك. وكان الأجدر بالمستشفى أن تُبلغهم فور الوفاة بوجود الطحال وتطلب التصريح الرسمي بدفنه، بدلًا من الانتظار أسبوعًا.من الناحية القانونية، اعتبر بعض المحامين أن ما حدث يُعد إهمالًا جسيمًا يُرتب مسؤولية مدنية وجنائية، اذا إن تسليم جثمان ناقص دون إبلاغ الأسرة يُعتبر مخالفة صريحة لحقوق الموتى وذويهم، خاصة إذا لم تكن هناك أسباب قانونية مبررة للاحتفاظ بأي عضو من الجسد. ويرى القانونيون أن الأسرة من حقها تقديم بلاغ رسمي للنيابة العامة، وطلب التحقيق في الواقعة بالكامل، سواء من الناحية الطبية أو الإدارية، بل والمطالبة بتعويض عن الضرر المعنوي الذي لحق بهم.وتشير تقارير إلى أن ملف الجراحة لم يكن يحتوي على تقرير تفصيلي كافٍ، وأن هناك تضاربًا في أقوال الأطباء داخل المستشفى، بين من قال إن الوفاة كانت بسبب مضاعفات مفاجئة، وبين من أشار إلى حدوث نزيف لم يُكتشف في الوقت المناسب، ما يدفع إلى ضرورة وجود لجنة طبية محايدة للفصل في أسباب الوفاة. ولم تقف القضية عند الأسرة فقط، بل تدخل عدد من نشطاء حقوق الإنسان وطالبوا بسن تشريعات جديدة تُلزم المستشفيات بتوثيق كل الإجراءات المتعلقة بالجراحات والتعامل مع الجثامين، وإشراك الأسر في كل خطوة حفاظًا على الشفافية والكرامة الإنسانية.أصبحت سلمى نبيل الآن رمزًا لكل ضحية تُركت وحيدة في مواجهة نظام صحي يعاني من أوجه قصور كثيرة، وأصبح اسمها عنوانًا لحملة واسعة تهدف لإصلاح ما يمكن إصلاحه قبل فوات الأوان. ولم تعد أسرتها تطالب فقط بحق فردي، بل بحق جماعي لكل من ينتظر على سرير مستشفى أن يُعامل بكرامة، وأن يُنقل إلى غرفة العمليات وهو يعرف أنه سيخرج منها، لا أن يُترك جسده ناقصًا دون علم أحبائه. تقول شقيقتها في كلمات مؤثرة: “محدش يحس بوجعنا، إحنا مش بس دفنا أختي، دفنا جزء منها بعدها بأسبوع، ودا ما يتوصفش، دا خرق لحرمة الميت، ووجع لا بيلمّ، إحنا عايزين حق سلمى، مش بس عشانها، عشان كل واحدة زيها ممكن تدخل مستشفى وما تطلعش”. في خضم هذا الغضب والحزن، يتساءل المواطنون: كيف يمكن أن يُنسى عضو من جسد إنسان؟ وأين الرقابة؟ وأين الضمير؟ هذه الأسئلة لا تبحث فقط عن إجابة، بل تبحث عن عدالة، وكرامة، ونظام صحي لا يُعيد نفس المأساة كل يوم، بل يتعلم منها.في النهاية، ربما تُنسى أسماء كثيرة، وربما تمر حكايات مؤلمة تحت ركام الأخبار اليومية، لكن حكاية سلمى نبيل ستبقى علامة فارقة في الذاكرة، لأنها ببساطة ليست مجرد فتاة توفيت بسبب خطأ طبي، بل إنسانية كاملة تم انتهاكها في حياتها وبعد موتها، وجريمة صمتٍ شارك فيها مسؤولون بلا مساءلة. العدالة لسلمى ليست خيارًا بل ضرورة، والسكوت ليس احترامًا للموت، بل خيانة للحياة.
